سلسلة محاضرات عماد الخطيب في (الأدب ونقده): النقد الثقافي - التأويل - فنّ القراءة

سلسلة محاضرات عماد الخطيب في (الأدب ونقده):

النقد الثقافي - التأويل - فنّ القراءة

محاضرة إلى طلبة الدكتوراه، وتصلح إلى البكالوريوس والماجستير ولكن مع مدرّب



النقد الثقافي- التأويل - فن القراءة

 

 

من أسسه؟

 

أسس النقد الثقافي (إكزينوفان). عام 1995م.

 

تعريف به : هو نقد خارق لم يسبقه إلى مثله أحد من البشر.

 

كيف نشأ النقد الثقافي ؟

 

         كان النقاد يستثنون أنفسهم من النقد ويطالبون الناس بالخروج من وثوق أعمى إلى وثوق آخر مغاير. ففي كل العصور تتبادل الثقافات النقد لكن كل ثقافة تدعي أنها وحدها تملك الحقيقة فهي لا تشكك بذاتها وإنما تحصر الشك بثقافات الآخرين وأيضاً في كل العصور يخرج في المجتمعات ما ينتقده الناس.. لكن هؤلاء النقاد يعلنون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة فهم يطالبون المجتمع بأن يتخلى عن مسلَّماته وينقاد لهم ويعتنق مسلَّمات بديلة فيخرج المجتمع بذلك من وثوق إلى وثوق آخر.

 

ما الجديد في نقد إكزينوفان؟

 

         الجديد في نقد (إكزينوفان) ومن جاؤوا بعده من الفلاسفة الأفذاذ أنهم ينتقدون الثقافات البشرية كلها كما ينتقدون أنفسهم فهم يعلنون أنهم مثل غيرهم من الناس واقعون في الأوهام والظنون والتخمينات وأن كل ما يعتقدونه علماً ويتوهمون أنهم يعرفونه ليس أكثر من تخمينات لم يحصل التحقق منها إنهم يلفتون الأنظار إلى هشاشة الأساسات التي بُنيت عليها المعرفة البشرية وضرورة إخضاعها جميعاً للنقد الدائم والتصحيح المتكرر وهنا يصبح النقد أداة حاضرة ومتحفزة لتكرار غربلة المعرفة وتصير المراجعة الدائمة ملازمة لعملية التعلُّم بوصفها عملاً منهجياً دائم الحضور، فالنقد يصاحب التفكير في كل خطوة من خطواته ويلازم التعلُّم في كل مسألة من مسائله ويبقى الإنسان مدركاً لضعف الأساس الذي بنى عليه آراءه وأحكامه، إن هذا الإدراك يجعله منفتح العقل ليسمع كل الآراء ويُصغي لكل الأفكار وينتبه لجميع الملابسات ويضع حساباً لكافة الظروف ويظل مستعداً لتعديل آرائه ومراجعة مواقفه والعدول عن أحكامه متى تبين له ما يستوجب ذلك.

 

ما معنى كلمة ثقافة ؟ وما علاقتها بالنقد الثقافي ؟

 

                  الثقافة تعني " نظام متراتب مكون من نظم دالة مختلفة، ومتداخلة، يتحقق ارتباطها من خلال علاقتها بنظام اللغة الطبيعية أساسا ".

 

علاقة الثقافة مع النقد الثقافي بتعريف جديد للنقد الثقافي هو :

 

         المنهج الثقافي من اسمه يعني ( نفي النقد الأدبي) ! كيف ذلك ؟ إنه من فروع النقد النصي. و هذا النقد يخالف تيارات النقد الأخرى، فلا تعود الأهمية لتأويل النصوص،        ودراسة الخلفية التاريخية..فقط، بل ينصب الاهتمام على التوسع في مجالات الاهتمام         والتحليل للأنساق.. وتكون الثقافة النقدية على هذا الفهم هي " المكون المعرفي الشمولي الذي يرصد حراك الإنسان و فاعليته في إبداعاته وإنجازه بذكاء و عقل وفكر وشعور متنوع تقاس خلاله إنجازاته " .

 

من علماء ونقاد المنهج الثقافي ؟

 

1-  يعد من مؤسسيه (فنست ليتش).

 

كيف عرف النقد الثقافي ؟ )

 

    " الإشارة إلى نوع من النقد يتجاوز البنيوية والحداثة وما بعدهما " وهو بذلك أدخل إلى النقد " السسيولوجيا " و " التاريخ " و " السياسة " دون التخلي عن مناهج النقد الأدبي.

 

2-  (تارتو) في موسكو.

 

كيف عرف النقد الثقافي ؟ )

 

    " نظام علاقات بين العالم و الإنسان "، ولأنه يختلف هذا النظام من ثقافة لأخرى  فالعلامات لا تثمن بالطريقة نفسها في الثقافات المختلفة، فمعلومة تعد أساسية في ثقافة ما ، يمكن أن تهمل تماما في ثقافة أخرى !

 

         وتبع ( تارتو ) : إيفانوف ، و لوتمان، و بياتجورسكي، و تودوروف ..

 

-      ما أهم مبادئه ؟

 

1-تجاوز الأدب الجمالي.

 

2-تناول النص كمنتج ثقافي أيا كان .

 

3-دراسة العمل، و لو كان هامشيا.

 

4-لا يخضع لشروط الذوق.

 

5-لا يعود إلى تأويل النصوص.

 

6- عدم التسليم بفكرة المحاكاة أو التخييل .

 

7-معاملة النصوص معاملة التأريخ .

 

8-يظل المغزى في النقد الثقافي مختلف أو قابلا للاختلاف .

 

-      من النقاد العرب الذين اشتغلوا بالنقد الثقافي ؟

 

1-  إدوارد سعيد، ويرى استعداد الناقد لمساءلة الخطاب النقدي مع انفتاحه على النصوص وإحضارها للمتن الثقافي.

 

2-    عبد الله الغذامي .. في كتابه المشهور " النقد الثقافي " .


 

 

        

 

منهج : التأويل في النقد الحديث

 

 1970م

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

-      ما تعريف التأويل في المنهج النقدي؟

 

         التأويل في النقد  يعني " متابعة حركة المعنى في النص نحو المرجع، و إظهار التوسطات الجديدة التي أقامها الخطاب بين الإنسان و العالم ".

 

         و يدرس الناقد من خلال التأويل :

 

1- العلامة،

 

2- المدلول،

 

3- الاستعارة،

 

4- الرمز،

 

5- النظام .

 

         و التأويل هو من أثر التفكيكية والسيميائية في النقد، وهو مصطلح جديد اقترب من العام 1970 م، مع وجود إرهاصات له قديمة عند الشكلانيين الروس، وتعد فلسفته وجه من وجوه الفلسفة الظواهرية.. والنقد القائم على التأويل ذو طبيعة مزدوجة، يكشف الناقد خلاله عن معنى جديد للنص، أي أن النصوص تحتاج دائما للتأويل، و لا تتوقف عند حد يمنع تأويلها !

 

         ومن مؤسسيه فريديريك شلايرماخر : 1768 – 1834 .. الذي هو الأب الحقيقي للتأويلية الحديثة.

 

         ومن نقاده هيدجر : 1889 – 1967، نقل التأويلية من الطرح النفسي إلى الطرح الوجودي للغة. و  بول ريكور : 1916 – 2005، طور التاويلية بابتكار " التأويلية المنهجية " التي تظهر بخط مثالي يعطي للكتابة كينونة و خصوصية .. و يذكر ( ريكور ) ثلاثة أوضاع يتقاطع خلالها الفهم و التفسير و يتكاملان هي :

 

-        العمل ، والحكاية اليومية، والحكاية الأدبية.

 

وكذلك جاء جورج دلتاي 1833 – 1911، و هو مؤسس العلوم الروحية الفكرية التي أصبحت تسمى العلوم الإنسانية .. ثم جاء هانز جورج جادمر 1900 – 2002، أسس فلسفة التأويلية، و ترى أن المفهوم من الوجود هو الوجود اللغوي فقط !

 

         ومن النقاد الذين درسوا التأويلية من واقع تطبيقي ليو سبيتزر، له نظريات لسانية خاضعة لبعض المناهج الوصفية. وهانز روبرت ياوس، أوّل بالطابع الجمالي للنص، مع الفهم المعاصر، الذي تبعثه القراءة التأويلية ، فيعتزم المؤول " تقديم التجسيد الملموس لدلالية النص " . وميشال ريفايتر، يؤول بالقارئ الخارق، الواسع الاطلاع، القادر على تسجيل كل انطباع جمالي بدقة و وعي لإيجاد بنية فعالة جديدة في النص .و هارتمان، درس قصيدة " وردز ورث " و حصل على المعنى الغائب للقصيدة .

 

         أما عن لقاء التأويل مع التلقي، فكلاهما يستخدم " أفق القراءة = التوقع = الانتظار " .. و لقاء آخر في سيميائيات التلقي من خلال :

 

1- تأويل مقصد المؤلف.

 

2- تأويل مقصد النص.

 

3- تأويل مقصد القارئ.

 

         و هكذا يكون التأويل الدلالي هو نتيجة السيرورة التي يضفي بها المرسل إليه دلالة ما على التجلي الخطي للنص الذي هو بصدد تحليله .. ولا يخضع للتأويل بأنواعه سوى النص المتمتع بالوظيفة الجمالية..

 

         وتكون أسس التأويل النقدية هي:

 

1-تجاوز الحدود التي تفرضها الجملة.

 

2-الاعتراف بالتماسك النصي.

 

3-بلورة مفهوم القراءة.

 

4-اختيار استراتيجية تأويلية.

 

5-إدراك الشكل المكتمل للنص.. وعده مستقلا عن مؤلفه تماما .

 

6-قراءة النص قراءة ثانية جديدة.

 

7-الإجابة على الأسئلة التي لم تجب خلال القراءة الأولى.

 

8-القراءة لا يجب أن تكون من البداية ، فربما تكون من الوسط أو النهاية. وفي القراءة الثالثة يتم توظيف المعنى الموضوعي الذي تم استيعابه في القراءتين الأولى و الثانية..و هذا المعنى هو الفرضية الأولى للتأويل .

 

9-يشكل النص وجودا موضوعيا و ليس وجودا ذاتيا مهما بلغت أهميته.

 

         من النقاد العرب  الذين درسوا بالتأويل نصر حامد أبو زيد، في كتابه " إشكالية القراءة و آليات التأويل "، و درس بعض كتب النصوص التراثية القديمة مفسرا و مؤولا لابن جني، و عبد القاهر الجرجاني وغيرهما .. !

 

         ومن مآخذ المنهج أنه :

 

1-  يهتم بالبحث عن المغزى، على حساب الوصول للمعنى من خلال التفسير.

 

2-  يعمد صاحب التاويل للبحث في المعنى الباطن.

 

3-  لا يقف لما هو ظاهر في النص !

 

 


 

 

منهج (فن القراءة في النقد الحديث) 2005م

 

-        ما تعريفه ؟

 

         منهج هتم بـ " فن القراءة " ،  وما تولده القراءة من تعدد للقراءات من: زوايا مرجعية مختلفة وتعدد في وجهات النظر التي تتولد من النظر في النص بثقافة ومرجعية ودلالات تقترب أو تبتعد عن القارئ المعروف بـ (القارئ الأبيض) أو (القارئ الأسود).. لصناعة ( الأدب الأبيض) أو ( الأدب الأسود)..

 

-        ما هدفه ؟

 

         أن يوجه اهتمام الناقد نحو استجابة القارئ للنص .. متأثرا ببحوث علم النفس السلوكي .. و تنطلق فكرة التلقي من " أننا نفهم من خلال رؤية الآخرين لنا ".

 

-        من مؤسسه ؟

 

زيجفريد شميث ) في العصر الحديث.

 

-        من أهم من درس به ؟

 

1-  ريتشاردز، ويرى بالشعر خلاص الإنسان، وضبط إيقاع عواطفه و انفعالاته ..

 

2- هانز روبرت ياوس، و درس التلقي بتأويل النص، و صاغ تعبير " أفق التوقع " الذي يعني المسافة بين النص و القارئ.

 

3-  زيجفريد شميث ، و درس مفهوم التلقي من خلال الأنموذج اللساني التواصلي .

 

-        ما أسس النقد به ؟

 

1-   لا قيمة للعمل إلا في أثناء قراءته = القراءة تفهم تركيب النص .

 

2-  النص الأدبي مفتوح يسمح بتعدد القراءات = التمثلات ممكنة  على صعيد المستوى الدلالي .

 

3-   لا ضرورة للإطار التاريخي لقراءة النص = التركيز على معطيات النص.

 

4-  انقسم القراء إلى ثلاثة : أ- القارئ العادي، ب- الناقد، ج-المهتم = عالم تجربة المتلقي .

 

5-  لا وجود لقراءة محايدة = ظاهرة التداعي الموجودة في علم النفس، التي توسع الإضافات الممكنة من النص لعالم تجربة المتلقي .

 

6-  الاهتمام بمصطلح " أفق التوقع " أو " الانتباه " فالنص وسيط تنمو خلاله توقعات لبعض الدلالات و المعاني، و هو ما يصنعه القارئ المنتج الناقد = إعادة بناء عملية تلقي نص من النصوص اللغوية بعدها سيرورة حركية يلزم أثناءها المتلقي.

 

كيف يتم تلقي النص ؟

 

1-إعادة بناء البنية النصية العميقة للنص.. اعتمادا على أخبار النص المرسل.. و عدد التعميمات و العناصر الدلالية المشتركة لمتوالية الجمل.. فتؤدي التعميمات إلى بنيات دلالية جملية يحكمها تماسك خطي يلف النص أفقيا أو عموديا .

 

2-ترجمة المعنى الجزئي للتماسك الخطي إلى معنى شامل و دلالة شاملة من خلال الموضوع العام للنص، ثم إدراك الدلالة الكبرى للنص من مستوى متوالية جمله، و يتم ذلك بحذف التفاصيل من النص، و الإبقاء على العناصر الإخبارية بالغة الأهمية .. [ لا شك أن تقدير هذه الأهمية يختلف من متلق لآخر ].

 

-        ما المصطلحات المهمة به ؟

 

         ومن من أهم مصطلحات هذا المنهج أفق القراءة - القارئ الضمني – المفارقة – الإبهام – الغموض - تعدد المعنى - الوحدة العضوية - التخفي. وكلها مصطلحات لا جديد فيها، باستثناء " أفق القراءة = التوقع " و " القارئ المنتج = العمدة = الضمني = الناقد ".

 

-        ما دور ما صنعه جاكوبسن خلاله ؟

 

         وإن للسياق عند – رومان جاكوبسن – وظيفة إفهامية للغة ، ومن الغموض حول هذا المفهوم اختلاف تعريف السياق لدى كل من ( اللسانيين : نسبة للمنهج اللساني في تحليل النص ) الذين يرون في النص " علاقة التحام بين مكوناته اللغوية .. و( السيميائيين : نسبة للمنهج السيميائي في تحليل النص ) الذين يرون في النص محيطا عاما تداوليا توسعيا للغة التي يتلفظ بها ويتلقى.

 

-        من نقاده العرب ؟

 

         ومن النقاد العرب الذين درسوا النصوص بالتلقي مصطفى ناصف، في كتابه " قراءة ثانية لشعرنا القديم " .

 

-        ما مآخذ المنهج ؟

 

1-  أنه جعل القراءة النقدية تقترب من الذاتية، دون أن تحدها قواعد أو قوانين..

 

2-  لا تزودنا طريقة النقد بالتلقي بأي مقاييس أو معايير تستند إليها، ولا تقوم أو تحكم على النص !

 

-        ما مفهوم القارئ الضمني ؟

 

         ونصل إلى مفهوم القارئ الضمني الذي ينطلق من أن عملية التلقي هي أننا نفهم من خلال رؤية الآخرين لنا، وقد كانت هذه العملية الأساس النقدي الذي تنبه إليه مدرسة (كونستانس) وعلماها البارزان (ياوس، وإيرز).

 

-        ما مفهوم أفق التوقع، ومن أسسه ؟

 

     أما ياوس فانشغل بمفهوم (أفق التوقع) الذي يعني المسافة الجمالية أو فجوة التوتر الناشئة من التقاء أفق القارئ مع أفق النص، وما ينتج عن ذلك من صدق التوقع أو خيباته المتتالية في أثناء القراءة. وقد قال: كلما زادت خيبات التوقع زادت فنية النص وجماليات التلقي. إن النص – بناء على هذا – أفق مفتوح لكل محتمل وممكن، وهو يقدم من خلال أبنيته غير المتوقعة الجديد والممتع.

 

-        ما تعريف القارئ الضمني والناقد الضمني ؟ ومن أسس المصطلح ؟

 

     أما إيرز فقد انشغل بفاعلية القراءة وبمفهوم الناقد الضمني فيها. وقد عنى إيرز بهذا المفهوم القارئ الافتراضي الذي تنبت جذوره في بنية النص. وهو يقارنه بالقارئ الفعلي على أساس أنهما يشكلان نوعين من القراءة: أما الفعلي فيهتم بتاريخ الاستجابات وتوثيقها بوصفها حقائق ثابتة أو قواعد ملزمة، لكن الضمني يهتم بالقدرة الكامنة في النص، فكل الحقائق المحتملة يمكن أن تتصور أو تتخيل.

 

     إذا كانت دراسة الأدب قد نبعت من اهتمامنا بالنصوص فإنه لا حاجة لأن ننكر أهمية ما يحدث لنا في أثناء القراءة؛ لهذا لا يعد الأدب تسجيلا أو توثيقا لأي شيء قد حدث أو يحدث، لكنه، على العكس من ذلك، إعادة لتشكيل واقع جديد يجلب إلى العالم شيئا لم يكن وجد من قبل. وبهذا المفهوم تصبح مهمة القارئ الضمني تخطيط شبكة من الأبنية النصية التي تؤلف محفزات للاستجابة. وهي محفزات ذاتها التي تدفع القارئ إلى التعلق بالنص والتفاعل معه.

 

-        الناقد الضمني :

 

     ولا يمكن لمفهوم الناقد الضمني، بصفته تعبيرا عن المهمة التي ينهض بها النص، أن يلتقي مع الفكرة التجريدية التي يقدمها القارئ الفعلي، أو بالأحرى القوة المشروطة الكامنة خلف نوع الجهد الذي يبذله هذا القارئ في قبوله القيام بالمهمة المنوطة به.

 

-        القارئ الضمني :

 

     والحقيقة أن دور القارئ الضمني الذي يمكن إنجازه بطرق متعددة، حسب الظروف التاريخية والذاتية، هو إشارة إلى أن بناء النص نفسه يسمح بمسارب مختلفة لمثل هذا الإنجاز. وهذا يعني، بوضوح، أن عملية إنجاز ذلك الدور تتم دائما بطرق مختارة، وأن أي تحقق فعلي يمكن الحكم عليه عكس ما يحكم على غيره من التحققات الأخرى القائمة هو أساس في النص، وفي الدور الذي يلعبه القارئ فيه. وبناء على هذا فإن كل تحقق ما في النص هو نتيجة إدراك القارئ الضمني المختار الذي يوفر بناؤه الخاص شبكة من المرجعيات تستطيع الذاتية بواسطتها الاتصال بالآخرين.

 

-        ما هي جماليات التلقي عند إيرز ؟

 

     إن على تحليل جماليات التلقي أن يعتمد – كما يقول إيزر – على:

 

         ( العلاقة الجدلية بين القارئ والنص من منطلق التفاعل فيما بينهما. وعلى الرغم من أن جماليات التلقي تدور حول النص فإنها سميت بذلك لأنها تلعب دورا مهما في تحريك قوى الإدراك والخيال للقارئ فتدفعه إلى أن يعدل من وجهات نظره أو ربما يغيرها. وهذه المقاربة تدعو إلى أن يستخدم مصطلح جماليات استجابة القارئ بدلا من مصطلح جماليات التلقي؛ ففي رأيه أن النص الأدبي لا يستطيع إنتاج الاستجابة إلا في حالة قراءته فقط، ويكاد يكون من المستحيل وصف هذه الاستجابة دون تحليل عملية القراءة. فالقراءة، لذلك، تعد النقطة المحورية لدراسة النص، لأنها تحرك كل سلسلة الأنشطة المعتمدة في بنية النص، كما تحرك القدرات الأساسية المحددة للإنسان، فالتأثيرات والاستجابات ليست من خواص النص وحده، ولا من خواص القارئ وحده؛ ذلك أن النص يحدث تأثيرا أساسيا خلال عملية القراءة التي يتفاعل فيها القارئ والنص ) .

 

-        ما علاقة النص بالقارئ ؟

 

     ويشكل القطبان (النص والقارئ) في تفاعلهما معا أرضية يمكن أن يستند إليها بناء نظرية الاتصال الأدبية؛ إذ من المفترض أن العمل الأدبي شكل من أشكال الاتصال، لأنه يحتك بالعالم من جهة، وبالبناء الاجتماعي والأدب القائم من جهة أخرى. ومهمة الاتصال هذه – كما يراها إيرز – هي المهمة الحيوية لكل المفاهيم التي يندرج تحتها الناقد الضمني؛ ذلك أن التلقي يعد عنده جزءا من نظرية أكبر هي نظرية الاتصال. فمهمة الناقد الضمني إذن هي نسج خيط الاتصال بين التحققات التاريخية والذاتية وجعلها قابلة للتحليل.

 

-        هل يلتقي النقد الحديث بآراء النقاد في العصر القديم ؟  نعم

 

     ويتوصل إيرز إلى ضرورة التقاء القديم بالحديث، أو السابق باللاحق، فعلى عملية القراءة أن تجلب إلى النور العمليات الأولية التي يؤثر عبرها النص بالقارئ فالحقيقة أن المتأخر من القراء عليه أن يبرز الأبنية التي تظهر ضمنا معاني النص فالتقاء القديم بالحديث، أو دمج الحداثة مع وجهات النظر التقليدية ينم عن قدرة عجيبة – حسب وصف روبرت هولب – ويعد سمة مميزة لعلم إيرز.

 

-        ما مهمة الناقد الضمني ؟

 

     ولعل أهم ما يجب ذكره من مهمة الناقد الضمني هو ردم الفجوات الناشئة من التقاء ثقافة الناقد المعطاة بالثقافة الحادثة للنص؛ فهذه الفجوات أو الفراغات هي التي تبعث النشاط وتستثير الحوافز في القارئ لملء هذه الفراغات بالمعنى المحتمل الذي تشكله أبنية النص في عملية القراءة؛ فالقارئ الضمني حالة نصية وعملية إنتاج المعنى على حد سواء. لهذا كان لبنية الفراغ موقع رئيس في تفكير إيرز؛ فالفراغ يحتفظ بقيمته الأساسية لعملية الاتصال، لكنه يكسب في غضون ذلك وظيفة أكثر تركيبا. إنه ما يزال معنيا بصفة مبدئية بالربط بين أجزاء النص المختلفة.

 

-        ما مهمة القارئ الضمني ؟

 

     القارئ الضمني إذن نموذج مثالي للقراءة المنتجة، فهو يجعل تأثيرات أبنية النصوص الأدبية قابلة للوصف والتحليل، كما أنه يدل على أن دور القارئ قابل للتحديد حسب بنية النص وبنية الأفعال.

 

     فالبناء النصي – حسب وجهة نظر القارئ – يتبع القاعدة الأساسية للتلقي الإنساني على أساس أن رؤية العالم تحتكم دائما إلى طبيعة تلق مستمر. وتبعا لوجهة النظر هذه فإن القارئ يوضع في مكان يؤهله لأن يسير بالمعنى الذي تقوده إليه استجاباته للنص؛ ولكن بما أن هذا المعنى ليس هو الحقيقة الظاهرة المعطاة، وانه ليس نسخة من مقصد القارئ في عالمه الخاص، فهو إذن شيء تتصوره عقلية القارئ. إن الحقيقة التي لا تظهر بذاتها يمكن أن توجد فقط عن طريقة التصور والتخيل.

 

-        لخص / ي ما يبرزه بناء النص نقديا ؟

 

     وهكذا فإن بناء النص يبرز دائما صورا عقلية متتابعة تقود النص إلى أن يترجم نفسه في عقلية القارئ. إن المضمون الحقيقي والواقعي يلون هذه الصور العقلية وفق التجربة الأولية للقارئ، هذه التجربة التي تؤسس خلفية مرجعية تتضاد مع غير المألوف الذي يمكن أن يتصوره عقل القارئ، أو تنتجه عملية القراءة. فمفهوم القارئ الضمني هو تهيئة الوسائل لعملية القراءة التي تتحول بها أبنية النص، عبر الأنشطة المتصورة، إلى تجارب ذاتية.

 

والله يوفقكم

 

 

 

 

 

تعليقات