سلسلة محاضرات عماد الخطيب في (الأدب ونقده):
اللّون في القرآن الكريم
تطبيق
أعدته الطالبة مي بنات-ماجستير
قال الله تعالى:
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ
زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأوْلِي الأَلْبَابِ"
( الزمر 2)
الآية الكريمة تحمل
صورةً مركّبةً مختزلةً تستجمع الحواسّ، وتنبّه العقول، وتمسّ القلوب بكلّ ما تحمل
من جماليّات ...
الجماليّة تبدأ من همزة
الاستفهام الّتي تشدّ الأسماع وتنبّه القلوب إليها (ألم ترَ)، ثمّ تنسكب الصّورة
البديعة أمامنا ، فالله –جلّ وعلا- أنزل الماء من السّماء مطرًا، أو ثلجًا يسيل من
الجبال الشّاهقة ( وهنا تتجلّى صورة الهطول والنّزول والانهمار للماء بصورته وصوته
) ، ثمّ يُسلك العليّ القدير –بقدرته- هذا الماء على شكل ينابيع في الأرض كيفما
شاء في سيولٍ وأنهارٍ وأوديةٍ وسهولٍ ؛ لتتشكّل الينابيع تبرز الصّورة الحركيّة من
كلمة "سلكه")، ثمّ تتشكّل النّتيجة المنتظرة لهذا الخير ، فيخرج الزّرع
، المختلف الألوان (صورة بديعة للثّمار ، والزّهر ، والشّجر ، تحمل معاني التّباين
، ومعاني الازدهار..) ، حتّى يصل ذروته من الاخضرار (ضمنيًّا كأنّ اللّون قد ذكر
في صورة الزرع المكتمل) ، (ثمّ يهيج ) ويذبل ليصير إلى الصّفرة ، وينتهي إلى
الحطام والعدم.
الجماليّات
تتجلّى في جمع هذه الصّور المرئيّة
واللّونيّة والسّمعيّة، والحركيّة، والنّفسيّة في
مشهدٍ واحدٍ، وفي هذه المفارقة البارزة في صورة الرّبيع والشّتاء،
المتحوّلة إلى الصّفرة والفناء، وفي الإعجاز العلميّ الواضح في حياة
النّبات، وتمثل إسقاط الصورة النباتية على الصورة الحياتية العامة في
الصّورة كاملة الّتي وجهّنا ربّ الكون لتأمّلها وإسقاطها على واقع الحياة الدّنيا
الفانية، وعلى حياة الإنسان الّذي يُخلق بقدرة الله، ويصل ذروة شبابه ويبلغ نهايته
(الحطام) ثم يخرج
به زرعا مختلفا ألوانه ) أي:
ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعا ( مختلفا
ألوانه ) أي: أشكاله وطعومه
وروائحه ومنافعه، ( ثم يهيج ) أي : بعد نضارته وشبابه يكتهل ( فتراه
مصفرا )، قد خالطه اليبس، ( ثم يجعله
حطاما ) أي : ثم يعود يابسا
يتحطم ( إن في
ذلك لذكرى لأولي الألباب ) أي
: الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا ، تكون خضرة نضرة حسناء ، ثم
تعود عجوزا شوهاء ،والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا [ قد خالطه اليبس ] ، وبعد
ذلك كله الموت . فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير ، وكثيرا ما يضرب الله
تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء ، وينبت به زروعا وثمارا
، ثم يكون بعد ذلك حطاما ، كما قال تعالى : " واضرب
لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما
تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا " [ الكهف : 45 ] / وأخبر الله سبحانه أنه يسلك الماء النازل من السماء ينابيع،
والينابيع: جمع ينْبوع، وهو منبع الماء، كالعين والبئر.
فدل القرآن الكريم على أن ماء
السماء تنبع منه الأرض، والاعتبار يدل على ذلك، فإنه إذا كثر ماء السماء كثرت
الينابيع، وإذا قلَّ قَلَّتْ.
تعليقات
إرسال تعليق